فى هذه السلسله ، ساتحدث باسم الشخصيه ، و فى النهايه قد اذكر ارتباطى و علاقتى بها او قد لا اذكر لكن فى النهايه هناك شخصيات فى الحياه تستحق الوقوف امامها ، للتساؤل ، و التأمل ، و للتعلم
---------------------------------------------------------------------------------------------
لمن قرأوا معى سيرة شخصية الاسبوع الماضى
تعالوا سوياً ندخل حياة اخرى ، لشخصية اخرى ، لا رابط بينها و بين شخصية كريمه ، الا ، انى اعرفهما
لكن فى الحقيقه تشابهت حياتهما فى وجوه و اختلفت فى اخرى بحيث اصبحت شخصية اليوم بحق
هى الوجه الاخر للعمله
---------------------------------------------------------------------------------------------
اسمى *****
منذ ولادتى و انا احس انى قرة عيني امى ، حبها لى كان غير عادى ، لم تنجب بناتاً غيرى ، كان كل اشقائى من الذكور لذلك اغدقت علي هى و والدى بالحب و الحنان
و زاد اخوتى الذكور من ذلك الشعور لدى ، كنت جوهرتهم الغاليه ، نعم كانوا يخافون على و يتناوبون توصيلى و رعايتى ، و يذكرون فى كل مناسبه ان من يقربنى بسوء ، سيكون ميتاً لا محاله
لكنى ابداً لم اختنق من تلك الحمايه و الرعايه ، بل على عكس كل صديقاتى كنت اتباهى بحماية اخوتى لى ، و باصطحابهم لى فى كل الاماكن
كنت اسمع جميع من حولى يتحدث عن كونى جميله
ذلك الجمال المميز فى مصر ، الشعر الاصفر و العيون الخضراء ، و القوام الذى يشبه قوام ممثلات الزمن الجميل
لكنى كنت لا ارى ذلك الجمال
فى الواقع كت احس باهمية تنمية عقلى اكثر من جمالى غرست امى فى تلك القيم منذ البدايه ، كانت تحرص على مذاكرتى كما تحرص على مذاكرة اخوتى ان لم يكن اكثر ، و لم تركن مثل امهات ذلك الزمن الى الزواج و تنمية المواهب المنزليه للفتاه ،لذا اجتهدت فى الدراسه على قدر استطاعتى ، و رفضت امى كل الخطاب قبل ان ادخل الجامعه و تطمئن الى انى سوف اكمل دراستى للنهايه
و فى اول سنين الدراسه ، تقدم لى ، مهندس ، شاب ، موهوب
لم انظر لوسامته و لا لشكله ، لكن اعجبنى عقله و تفكيره ، و اعجبنى انه استاذننى فقط ثم تقدم لاهلى بعدها مباشرة ، اى انه لم يضع وقتاً
و علمت بعدها لماذا ، لقد كانت اسرته جيراناً لنا فيم سبق ، قبل ان يسافر لاكمال تعليمه فى الخارج ، و كان يعرفنى منذ طفولتى ، بل انه احبنى منذ طفولتى و لم يصدق نفسه حين كبرت طفلته و اصبحت طالبه فى الجامعه
و تحولت ضفيرة الذهب التى كانت على ظهرها ، الى تاج مصفف بعنايه
و تحولت مريلة المدرسه الكاروهات ، الى فستان على احدث الموضات
كانت امى لا تبخل على بشىء ، طالما كان فى حدود الاحترام ، لم يكن الحجاب موجوداً فى مجتمعنا او وسطنا فى ذلك الوقت ، لكن كان الاحتشام دوماً موجوداً ، لم يكن مسموحاً لى بلبس المايوه ، او اظهار ما فوق ركبتى ، او حتى ذراعى ، و فى الواقع كان ذلك يروق لى ، كان لدى حياءً داخلياً يمنعنى من تقليد باقى فتيات مصر الجديده فى طريقة ملبسهن او حتى مشيتهن
و فى السنه الثانيه للجامعه ، تزوجت من حبيبى و خطيبى الذى احبنى فى صمت عمراً كاملاً
و حين جاء و قت الكلام
لم يتكلم
ابداً
بل فعل ، فعل كل ماتتمناه امراه من رجلها
جعلنى ملكه
ليس بالاموال و لا بالهدايا كذلك لم يجلب لى تاجاً من الماس
بل كان هو تاجى ، و ظل كذلك طيلة حياتى ، كنت انظر فى عينيه فافهم ما يريد ليس فقط ما اريد ، بل يفهم احلامى ، و ينفذها
كان يعلم انى اريد ان اعمل ، فوافق على ذلك بكل سرور فور انهائى لدراستى ، بل و تدخل ليدبر لى عملاً كمدرسه للغات فى مدرسه قريبه من منزلى بمصر الجديده
و هناك
فى تلك المدرسه
و جدت نفسى ، و كيانى و حياتى كلها
منذ خطوت بقدمى خطوتى الاولى داخل المدرسه ، ادركت انى خلقت لكى اقوم بهذا
كل صديقاتى كن يتحسرن على انى بكل جمالى و اناقتى و مؤهلاتى الاجتماعيه
اعمل كمدرسه
و فى وسعى ان اعمل بالعلاقات العامه او بوزارة الخارجيه ، او حتى ان اعمل معيده بكليتى بعد ان تخرجت بتقديرات ممتازه
لكنى وجدت فى التدريس ، ما كنت احلم به طيلة حياتى
البناء
كان زوجى مهندسا يبنى العمارات
و ابنى انا العقول
كنت احرص على ان اعلم الفتيات كيف يتكلمن و كيف يتصرفن فى حياتهن ، اكثر من مادتى نفسها
و رزقنى الله بعد وقت قصير بالولد ، طفلى الاول ، بهجة عمرى كله
و عرفت ان للسعادة افاقاً لم احلم بها ابداً
و بعدها بفترة قصيرة ، توفى والدى ،و اورثنى و امى حزناً عارماً ، بالرغم من حبى لزوجى بل و عشقى له ورغم حنان اخوتى على
الا ان موت ابى ، جعلنى احس بان ظهرى انقصم ، كان هو ظهرى و سندى و بفقده ، احسست بالوحده و العالم ملىء من حولى
رحمة الله عليه
و بعدها ، قرر زوجى الحبيب ان تنتقل امى للمعيشه معى ، و بعد جهد طويل ، وافقت امى ، كنت حبيبتها و كانت تعلم انى بعد ان رزقت بولدى الثانى زادت مشاغلى و اصبحت رعاية المنزل و الاولاد و االاهتمام بعملى فى نفس الوقت شبه مستحيل
خاصة بعد ان تنبهت ادارة المدرسه لقدراتى الخاصه فى التعامل مع البنات ، و اصبح يوكل الى معظم امور النشاط المدرسى مثل الاذاعه و الخطابه ، و حفلات نهاية العام
تلك الانشطه التى يسفهها البعض ، لكنها لطالما ساعدت بناتاً يتلعثمن فى الكلام ، على ان يصبحن طليقات اللسان مثل خطيب مفوه
و تعلمن ان يقهرن خجلهن و خوفهن من الفشل ، ليتحولن كالفراشه الجميله التى تخرج من شرنقتها بعد ان كانت مجرد دوده تزحف على الارض
كانت المدرسه هى تلك الشرنقه ، اما تخرج منها الفتاه كالفراشه لتنثر النور و الجمال ، او تخرج منها كما دخلتها ، مجرد كائن يزحف على الارض و يخشى المواجهه و لا يستطيع التحليق
و من المديرين الانجليز لتلك المدرسه العريقه ، تعلمت كيف يكون الحزم مع الحنان و العنايه مع تشجيع الاعتماد على النفس و تمنيت ان استطيع يوماً تطبيق كل ما تعلمت
و بعدها بقليل تغيرت القوانين و رحلت الاداره الانجليزيه و تغير الزمن ، و اصبحت احلامى صعبة التحقيق بسبب نقص الميزانيه و كل تلك الترهات الماديه
و فى ذلك الوقت ، رزقت بابنتى الصغرى ، حبيبتى و قرة عينى ، و عرفت وقتها بالضبط ماذا كان احساس امى بى ، بل و بها هى الاخرى ، فقد كانت امى معى يداً بيد فى كل ما يخص طفلتى الحبيبه
و لمح زوجى تأثرى من تغيرات العمل ، و عدم قدرتى على التعامل مع الاداره الجديده
و ذات ليله ، اخذنى لنسهر مع مجموعه من اصدقائه ، رجال الاعمال ، و لم يكن ذلك من طبعه ، لكنى خرجت معه
و فى تلك السهره علمت مغزى خروجى معه ذلك اليوم
لقد اتفق زوجى الحبيب مع مجموعه من اصدقائه على المساهمه معهم فى تأسيس مدرسه خاصة ، للبنات فقط ، و نشأت الفكره حين علم ان اصدقائه بصدد تأسيس مدرسه ،و تفكيرهم فى الاستفاده من خبرتى فى ادارتها معهم ، لكن حبيبى فكر انى لا يجب ان اعمل عند احد ، ليس بعد الان ، و قرر ان يساهم معهم ، لكى اكون شريكاً و فى نفس الوقت لى حق الاداره
لقد صنع من اجلى الكثير
حقاً ، طيلة حياتنا معاً ، كان دائماً ما يعطى و يعطى ، حتى انه لم يتبرم يوماً من تاخرى فى العمل او قلقى بسبب شأن من شئونه
لكن ما فعله فى ذلك اليوم ، سيبقى اغلى و اكبر ما يمكن ان يفعله زوج محب لزوجته ، لم يكن الامر كمن يكتب لزوجته شقه او عقاراً ، كان امرا ًمختلفاً تماما
كان يغذى عشقى لعملى و يشجعنى عليه بصوره لم اتخيل ان اراها يوماً فى حياتى
و بعد شهور قليله ، انتقلت لمقرى الجديد ، مكتبى كمديره للمدرسه لم تتخط الثلاثين الا بسنوات قليله ، و اولياء الامور و هو يقدمون اوراق بناتهم و يبدون اعتزازهم بى ، كان بعضهم يعرفنى من مدرستى القديمه اذ كنت درست بعض بناتهم او بنات عائلاتهم فى مدرستى القديمه
و فى اول يوم للدراسه ، فوجئت بسياره المانيه بيضاء جديده تنتظرنى اسفل المنزل
استدرت لاصعد درجات السلم مثنى و ثلاثا
لكى اشكر ذلك الملاك الذى اهدانى الله به
زوجى الحبيب ، ابى الا ان اذهب لعملى الجديد بسياره جديده، كانت حتى افضل من سيارته الشخصيه فى ذلك الوقت
و بدأت فى عملى الجديد، و زوجى و امى من خلفى يدفعاننى ، لولاهم لما اصبحت شيئا
كنت انزل فى السادسه و النصف ، لاصل الى المدرسه قبل عاملات النظافه ، و اشرف على نظافة الادوار و الحمامات بنفسى ، و كن يعلمن ذلك ، فكانت مستوى نظافة حمامات المدرسه كفنادق الخمسة نجوم ، حتى لو اشتريت المطهرات و المنظفات من جيبى الخاص
و بعدها اباشر طوابير الصباح بنفسى و استمع الى نشيد بلادى بصوت البنات ، و ان لم يعجبنى حماسهن ، اعيده مرة اخرى ، حتى انهن كن يغنين بحماس من المره الاولى حبا لى
حتى المدرسين ، لم يكن احدهم يتاخر ابدا عن ميعاده ، كيف يفعل ذلك و هو يرى حوله مظاهر الالتزام فى كل ما حوله ، ذاك كان شعارى ، اذا اردت ان يفعل مرؤوسى شيئأ ، على ان اكون انا قدوتهم فيه اولاً
كانت تلك المدرسه كانها منزلى ، هل هناك ربة منزل تهمل فى ركن من اركان بيتها ، كان ذاك هو بيتى
و اظل فيه لا اغادر حتى الساعه الخامسه او السادسه ، بعد انهاء المشاكل المعلقه و الامور الاداريه
اعترف انى خسرت الكثير
و لكنى ايضاً كسبت الكثير
خسرت لحظات سعاده سحريه وسط ابنائى و هم يكبرون و اصوات ضحكاتهم الجميله التى كانت يمكن ان تملأ ليلى و نهارى
لكنى كسبت الاف البنات اللاتى ربيتهن منذ الحضانه حتى تخرجهن من مدرستى ، فتيات محترمات ، يعرفن معنى المسئوليه ، و اثمرت شجرة تلميذاتى امهات صالحات و فوق ذلك ايضاً
هذه مذيعه و تلك صحفيه ، و اخرى مهندسه تعمل مع زوجى فى مكتبه ، و رابعه مدرسه عادت للعمل معى فى نفس المكان الذى تربت فيه
و خلال سته او سبعه سنوات كانت المدرسه قد نجحت نجاحاً ساحقاً ، و تم افتتاح العديد من الافرع
و انتقلت بتلميذاتى لفرع جديد مجهز باحدث التجهيزات ، كما التحق ابنى الاكبر بالجامعه ، فى امريكا ، كما اراد له والده ،كم كان فراقه و سفره صعبا ًعلينا و هو الذى اصبح من يراه الى جوارى يظننى اخته كما كان يحلو له ان يداعبنى بقوله
و بدلا من ان يدللنى زوجى و اخوتى فقط ، اصبح ابنائى هم الاخرون يدللوننى كما لو كنت ابنتهم لا امهم ، اذ كانت امى ادامها الله هى امنا الحقيقيه جميعاً
كما كبرت ابنتى هى الاخرى و اصبحت صديقتى العزيزه ، كم اردت ان اخرج معها كثيراً كما كانت تتمنى ، لكن ظروف العمل غالباً ما كانت تمنعنى من تحقيق كل ما كنت اتمناه
و فى نهاية ذلك العام الدراسى ، كانت حفلة المدرسه اروع الحفلات قاطبة ، حتى انى احضرت ديكورات المسرحيه من منزلى الخاص ، صالون منزلى و ستائر و غيرها ، لاعطى مصداقيه لما يحدث على المسرح
و استعنت بمدرسينى لتاليف نشيد خاص بالمدرسه له لحن خاص يخطف القلوب و يثير الحماس
بالعلم سنبنى الاوطان
و نباهى فى كل مكان
و حضر المحافظ والوزير الحفل ، و صعدت لالقى كلمة الترحيب على المسرح و زوجى هناك و امى ترمقنى بحب
و ذلك الطاقم الذى احضره زوجى الحبيب من باريس خصيصاً يثير اعجاب و غيرة الحاضرات
و ما ان انتهيت من كلمتى
حتى فوجئت انى لست على مايرام و على وشك السقوط
تحاملت على نفسى حتى عدت لمنزلى و اتى زوجى الذى افزعه ما حدث بالطبيب
و بعد الفحص الاولى
قرر انى يجب ان ادخل الى المستشفى لاجراء المزيد من الفحوص
صرخت بانى لا استطيع ، لانى لا املك وقتاً ،كيف اترك عملى فى ذلك الوقت الحساس
و لكنى بعد ان زادت الالام على
رضخت و دخلت المستشفى
و لن اطيل
اسوا مخاوف اى سيده
السرطان
لن انكر انى خفت ، لكنى حين رايت الهلع فى عينى امى و عينى زوجى الغاليان ، تماسكت و رسمت بسمة على شفتى ، و قررت اجراء عملية الاستئصال باسرع ما يمكن ، و انا اقنع نفسى انى لا استئصل انوثتى ، بل استئصل المرض
و بعده ساعود كما كنت
و اصر زوجى ان اسافر لامريكا حيث يدرس ابننا لكى اجرى الجراحه هناك
اغلق مكتبه و ترك كل شىء ، و سافر معى
و هناك ، ادركت ان المرض ليس شراً كله
لقد اقتربت منه و اقترب منى كما لم يحدث من قبل
حقا لقد ضاع عمر كامل فى العمل و الكد ، سواء كنت انا او هو
و نسينا كنزا ًمخبأ فى الاعماق
كنز حبنا لبعضنا البعض
و اجريت الجراحه التى تبعها تاهيل نفسى لكى تتقبل المراه ما حدث ، و لكى تعرف ما هو أت
و اه مما هو أت
العلاج الاشعاعى و الكيميائى
لم اكن اصدق ان شعرى الذهبى الجميل ، اصبح يتساقط كما لو كان بغير جذور ، و ان لون جلدى و وجهى اصبح مختلفاً و كل ذلك فى شهرين فقط
و داومت على العلاج ، و المسح الذرى لمدة ثلاثة اعوام
حاولوا خلالها اثنائى عن العوده للعمل
لكن حين لمح زوجى تهدمى و اكتئابى ، وافق على عودتى لمدرستى
و كان يوم عودتى يوم عيد
صحيح كنت ارتدى باروكه على راسى و اصابنى الهزال ، حيث كنت اتمتع بالرشاقه طوال حياتى ، لكن بعد المرضه ، تحولت الرشاقه الى هزال شديد
لكن ويا للعجب
كان من يرانى صباحاً اصحو من سريرى ، لا يتخيل ان هذا النهار سوف يمضى و انا حيه
لكنى بمجرد ارتداء ملابسى و حضور سائقى حيث اصبحت لا اقوى على القياده
تدب فى الحياه و تعود الى الروح ، كما لو كنت شابه فى العشرينات ، و اقوم بعملى بكل طاقتى ، صحيح لم اعد كما كنت تماماً
لكنى عدت
و احمد الله انى عدت ، حيث احسست وقتها بحب الناس ، انه كنز
المدرسين و العاملين و حتى اولياء الامور ، كانوا ياتون الى مكتبى فقط لتحيتى و السؤال عن صحتى
كم هى كثيرة نعمك يا الله
و طلبت الى زوجى ان نذهب للحج ، سوياً
و هناك فى بيت الله ، اقتربت اكثر ، و احسست بحكمته اكثر ، وبان رحمته سبقت عذابه ، و بانه هو صاحب الحكمة العليا فى كل ما يحدث لى
ارتديت الحجاب ، عن اقتناع ، لم ارض ان البسه بعدما فقدت شعرى ، حتى لا احس انى اضطررت اليه اضطراراً ، بل ارتديته بعد ان عاد شعرى لطبيعته تقريباً ، و اخترت بارادتى ان اغطيه
كم كانت سعادة ابنائى بعودتى من الحج و خاصة ابنتى التى كانت سبقتنى الى الحجاب ، هداها الله و يسر لها طريقها
و بعدها بشهور ، خطب ابنى الغالى ، و حضرت خطوبته و انا احس لاول مره باحساس ام العريس ، كم هو لذيذ هذا الاحساس ، هذا الرجل الصغير لى ، و ستشاركنى فيه اخرى ، لكنى فى قمة سعادتى بذلك
و لكن
بعدها بشهور قليله ، بدات اعراض المرض تعاودنى مرة اخرى
و سافرت للولايات المتحده ثانية
و حين عدنا دون ان نجرى اى عمليات
و حين لمحت دموعاً فى عيون كل من حولى
ادركت ان مرضى اصبح ميئوساً منه
و انها اصبحت مسألة ايام او شهور على اكثر تقدير
لم اجزع و لم اهلع ، حتى لا ازيد من هم زوجى و امى
و حين كانت ابنتى تبكى بين يدى قبل نزولها لمدرستها ، كنت اطمئنها قائلة ، ما تخافيش ، مش النهارده ، ان شاء الله حاترجعى تلاقينى يا حبيبتى
و كل يوم كنت انظر خلفى الى تلك الحياه التى عشتها
حياة مليئه ، كم مره يدق الهاتف ليسال عنى الناس ، لم اعد احصى
كم صحبة ورد وصلت الى منزلى
كم مره كنت مع ابنتى فى احد المطاعم او المحلات و توقف اناس للسلام علي و تمنى الشفاء و الصحه لى
و قربتنى تلك الفتره اكثر من الله
و من ابنتى الحبيبه ، التى تمنيت ان اعوضها فى شهور عن بعدى عنها سنوات و سنوات
و كم سعدت حين قرات فى مذكراتها الشخصيه التى اعطتنى اياها ،حين عرفت انها عاشت عمرها كله
فخورة بى
و سعيده بانى امها
و انها لو اعطيت الاختيار ، ما اختارت اماً غيرى
يارب ، اجعل كل دعوة من قلب ام او اب ساهمت فى تربية و تعليم بناته ، اجعلها من نصيب ابنائى ، و امنحها السعاده
و امنح زوجى الصبر
انك انت القائل : الذين خافوا لو تركوا خلفهم ذريةً ضعافاً ، فليتقوا الله
اما امى
فانك انت قدرت ذلك على و عليها
و انت كفيل بها من بعدى
------------------------------------------------------------------------------------------
كالعاده ساكمل الحكايه
لقد قلت انها الوجه الاخر لشخصية الاسبوع الماضى
يعلم الله كم احببت هذه السيده الجميله قلبا و قالبا
احببتها منذ ان رايتها
منذ ان قالت لى انى خلقت لكى اكون مدرسه برغم شهادة الهندسه التى احملها
و منذ قبلت بى وانا لم امسك يوماً باصبع طباشير ، و لقد نظرت الى
و رأتنى
كما رأيتها و احسستها
رحمة الله عليها ، كان يوم موتها يوماً حزيناً لكل من فى المدرسه
بل لكل من فى الحى
و اقمنا صلاة على روحها اشتركت فيها كل طالبات المدرسه و مدرسيها و كانت جنازتها مشهوده من الجميع
و الى الان
لازلنا نذكرها بكل الحب و العرفان ، مدرسيها و كل من تتلمذ على يديها كبيراً كان او صغيراً
كانت اماً للجميع رحمها الله و اسكنها فسيح جناته
و بعد مرور سنين على وفاتها لا زلت كلما سمعت النشيد الذى تم تاليفه للمدرسه فى عهدها ، ، تملا الدموع عيناى و ادعو لها بالرحمه
كم هو جميل ان يمضى الانسان بعد ان يترك اثراً
كم هو جميل ان نقضى حياة عميقة ، مهما كان طولها
المهم تاثيرها و ما نخلفه بعدنا فيها
نرجو الله الا يقطع ذكرنا بعد وفاتنا